المعلم أولاً
المعلم أولاً
بقلم : عماد حمزة الشريف مجلة المعرفة 2016-05-18 11 /8 /1437
بات الحديث عن المعلم في الآونة الأخيرة يتكرر مرارًا بين الفينة والأخرى عبر مقالات كثيرة نُشرت، وكتب عديدة أُلّفِت، فمنها ما تطرق فيها الحديث إلى أهمية مكانة المعلم ودور مهنة التعليم، ومنها ما تركز الحديث عنه حول ما يعانيه المعلم في النظام التعليمي لدينا من بعض الإشكاليات التي قد تعيقه عن أداء رسالته العظيمة، والميدان التعليمي بحاجة ماسة الآن أكثر من ذي قبل لرؤية واضحة يمكن من خلالها تعزيز مكانة المعلم، ومن ثم الارتقاء بمهنة التعليم، لكي يتحقق هدف النظام التعليمي الأول وهو تحسين مخرجات التعليم، وقطعًا لا يتم ذلك إلا عبر الركيزة الأساسية في العملية التعليمية، ألا وهو «المعلم».
لقد أصبحنا نرى ونشاهد اليوم عبر ما تطالعنا به وسائل الإعلام المختلفة من صورة غير مستقرة لمكانة المعلم، فأخبار الضرب والاعتداء من الطرفين (الطالب والمعلم) عكرت صفو منظومة التعليم لدينا، ومما زاد الأمر سوءًا هو تصوير تلك الحوادث وانتشارها وتناقلها في أوسائط المجتمع رغم التشديد بمنع التصوير داخل المدارس، بالتأكيد هي حالات فردية لا تعمم، ولا يمكن جعلها هي السائد، فبحمد الله ما زلنا نزخر بنماذج وبيئات تربوية وتعليمية رائعة ومتميزة، ولكن لا نريد في المقابل أن ندع مجالًا للنيل من مكانة المعلمين والمعلمات يمكن من خلاله انتزاع هيبة المعلم بين طلابه وفي مجتمعه.
وقد استبشر الميدان بعد تعيين الدكتور أحمد العيسى وزيرًا للتعليم، عندما وجه بتشكيل لجنة لمنح المزيد من الامتيازات للمعلمين والمعلمات، وتكون مهمتها تفعيل مهنة التعليم ومكانة المعلمين، إن هذه العناية وهذا الاهتمام من وزير التعليم يُعطي دلالة واضحة لأهمية تلك المكانة المنشودة من الجميع للمعلم، حتى إنه صرح في عدة مناسبات مؤكدًا تعزيز هذه المكانة، والميدان ما زال ينتظر ويتطلع إلى نتائج هذه اللجنة، حتى يتم تطبيقها على أرض الواقع.
إن الدور المنوط بالمعلم كبيرٌ جدًا، ويتمثل ذلك في خلق علاقة إيجابية بينه وبين طلابه، وجعل البيئة الصفية أكثر انسجامًا وفعالية؛ ليتمكن من تقديم المادة العلمية لطلابه، وقبل ذلك غرس القيم التربوية في نفوسهم، وبلا شك يتطلب ذلك مجهودًا مضاعفًا منه، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتوفير بعض المقومات المعينة له؛ ومن أهمها: ألا يتجاوز نصابه في اليوم الدراسي عن أربع حصص، فلدى المعلم مهام أخرى يُكلف بها من إشراف يومي وحصص انتظار وما يُسند إليه من مهام أخرى، ولنا أن نتخيل كمية هذا المجهود الذي يبذله هذا المعلم خلال اليوم، ويتكرر معه طوال العام الدراسي.
ومن المقومات التي تعزز مهنة التعليم، هو إيجاد فرص تدريب وتطوير مستمرة للمعلمين والمعلمات، وقد أعلنت وزارة التعليم في وقتٍ سابق عن إعطاء كل معلم فرصة للتدريب مرة واحدة في مسيرة عمله لمدة فصل دراسي كامل، وفي الحقيقة أن تطوير المعلم يجب أن يكون أكبر من ذلك، فلماذا لا يكون إكمال الدراسات العُليا للمعلمين والمعلمات متاحًا لهم بفرص أكثر؟!
بل يجب أيضًا دعم كل معلم لديه الرغبة في إكمال دراسة ما بعد البكالوريوس، ولا سيما أن الجامعات والتعليم العام تحت مظلة وزارية واحدة، وكذلك لماذا لا يتم إنشاء مراكز ومعاهد تدريب متخصصة تقدم برامج تدريبية عالية الاحترافية للمعلمين والمعلمات، وتوفر لهم احتياجاتهم التدريبية والتي تنسجم مع تخصصاتهم ومؤهلاتهم؟!
إن هذا التطوير والاهتمام بالمعلم يُشعره بأن هناك وزارة تسعى لجعله متميزًا ومواكبًا للعلم والمعرفة طوال فترة عمله.
وإذا ما أردنا فعلًا أن يكون لمهنة التعليم مكانة مرموقة في المجتمع، فلا بد من منح هذه المهنة الشريفة امتيازات فعلية تجعلها ذات قيمة عالية تتجه الأنظار لممارستها، ومن ثم يكون عندها اختيار الأكفأ والأجدر لهذه المهنة متاحًا بشكل أكبر، ومن هذه الامتيازات: إقرار التأمين الطبي للمعلمين والمعلمات؛ حيث يجب النظر وبشكل جاد في منح المعلم التأمين الطبي، فمن خاض تجربة هذه المهنة الشاقة سيعرف مدى أهمية هذا المطلب المهم، والذي نادى به الكثير من التربويين والمختصين.
وهناك عدة قضايا عالقة، تنتظر شريحة كبيرة من المعلمين والمعلمات إيجاد الحلول لها، وهي أولى حاليًا من منح الامتيازات، والتي تتمثل في: الدرجات المستحقة والفروقات المالية وخدمة بند (105) وخدمة محو الأمية، والمدارس الأهلية، واستحقاق المستوى السادس، وغيرها...، وقد شكلت وزارة التعليم مؤخرًا لجنة لحقوق وواجبات المعلم وعقدت أولى اجتماعاتها، ولكن؛ أين نتائج وتوصيات هذه اللجنة؟!
وإلى زملاء المهنة من المعلمين والمعلمات: لقد اختصكم الله بهذا الشرف العظيم، فكم من أجيال هي بين أيديكم! فأنتم الآن مشعلهم الوضاء، وقدوتهم الغراء، فكونوا على قدر هذه المسؤولية الكبيرة، واجعلوا من عملكم متعة تتقنون الاستمتاع بها، أعلم أنها ليست بتلك السهولة التي قد يتخيلها من لم يجربها أو عاشها، ولكن اصنعوا من التحدي إنجازًا؛ فثمرة عملكم هي بناء وطن بأكمله، فكل مهنة أنتم أساسها؛ فالطبيب والمهندس والضابط والطيار والمعلم وغيرهم، هم الآن ينهلون العلم والمعرفة منكم لا غير، ولكم كل الفخر الذي حدثنا به معلمنا الأول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال:«إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير».
تعليقات
إرسال تعليق